منتدى محاضرات ومحاضري القانون من أجل الديمقراطية
ورقة موقف رقم 5: مُلخّص موقف المنتدى في مسألة ثورة نظام الحكم التي تخطّط لها الحكومة الإسرائيليّة الـ 37
عُمّمت يوم: 20/1/2023 *
تسعى الحكومة الإسرائيليّة هذه الأيام إلى دفع سلسلة من التغييرات الدّستوريّة والقانونيّة الكبيرة. وبعد أن عمل منتدى محاضرات ومحاضري القانون من أجل الديمقراطية على تحليل هذه التغييرات، توصّلنا إلى الاستنتاج بأنّ تبنّيها سيُلحق مسًّا لا رجعة فيه بمنظومة الحُكم الديمقراطيّة في إسرائيل.
· في صُلب هذه التغييرات عدّة تعديلات على بعض القوانين الأساسيّة، وهي كالتالي:
1. منح سيطرة تامّة ومطلقة لأغلبيّة الائتلاف الحكوميّ في تعيين القضاة لكلّ المحاكم وتدرّجاتها- التشريع المقترح يُغيّر تركيبة لجنة اختيار القضاة ويمنح الائتلاف الحكوميّ أغلبيّة تلقائيّة في قرارات تعيين القُضاة. هذا التشريع سيُقوّض استقلاليّة الجهاز القضائيّ، وهو يمسّ بمهنيّة القضاة وسيؤدّي إلى تسييس مهنة المُقاضاة.
2. منع ممارسة الرقابة القضائيّة الفعّالة على تشريعات الكنيست- يفيد التشريع المُقترح، بأنّ المحكمة العليا لا تستطيع الإعلان عن بُطلان قانون ما بدعوى عدم دستوريّته، إلّا بتوفّر قرار بالإجماع من طرف كلّ قضاة العليا الـ 15 (ووفق صيغة أخرى: بأغلبيّة 12 قاضيًا)، وبالمقابل سيكون بوسع الائتلاف الحكوميّ "التغلّب" على صلاحيّة إلغاء المحكمة للقانون عبر الأغلبيّة المضمونة له في الكنيست. زدْ على ذلك أنّ المحكمة لن تكون قادرة على ممارسة رقابتها القضائيّة والقانونيّة على القوانين الأساسيّة، مهما كانت مضامينها. هذه التغييرات ستُلحق انتهاكًا جسيمًا بقدرة المحكمة على حماية حقوق الإنسان وأُسس البنيان الديمقراطيّ.
3. تمييع الرقابة القضائيّة على قرارات الحكومة ووزرائها- يفيد التشريع المُقترح بأنّ وجود عدم معقوليّة متطرّف في قرارات الحكومة والوزراء ومؤسّسات الحُكم الأخرى، لن يكون كافيًا لممارسة الرقابة القضائيّة على هذه القرارات. ولذلك، يُمكن لهذا التغيير أن يشقّ الطريق أمام استخدام قوّة السّلطة بشكل مُختلّ واعتباطيّ أو مُنحاز، ومن دون مراعاة حقوق الإنسان أو الصّالح العامّ.
4. إضعاف كبير لمنظومة المستشار القضائيّ للحكومة- يُلغي التشريع المقترح مكانة المستشار القضائيّ للحكومة والمستشارين القضائيّين الوزاريّين، باعتبارهم القائمين على تأويل وتفسير القانون أمام الحكومة، ويُحوّل آراءهم ومذكراتهم الاستشاريّة إلى مواقف غير مُلزمة. ويؤدّي التشريع المقترح، أيضًا، إلى فتح قناة كبيرة للحصول على مُذكّرات مواقف خاصّة، أو باختيار توكيل محامين خاصّين. ووفقًا لتصريحات صدرت عن جهات حكوميّة، ثمة نيّة أيضًا بتحويل مسار تعيين المستشارين القضائيّين إلى مسار سياسيّ بدلًا من المسار المهنيّ. هذه التغييرات ستُمكّن الحكومة ووزراءها من العمل خلافًا للقانون، الأمر الذي قد يقود إلى تشجيع الفساد السُّلطويّ والمسّ بالاستقرار الاقتصاديّ.
· إلى جانب إضعاف الرقابة القضائيّة الخارجيّة الصادرة عن المحاكم، والرقابة القانونيّة الداخليّة الصّادرة عن المستشارين القضائيّين الوزاريين على ممارسات وأعمال الحكومة، فإنّ الحكومة الجديدة تسعى لدفع وتعزيز مسارات أخرى ستُفضي إلى تركيز القوّة الفائضة ومعدومة الرقابة في أيدي السّلطة التنفيذيّة، بما في ذلك تعزيز سيطرة المستوى السياسيّ على الشرطة والجيش، وإغلاق هيئة البثّ العامّة، وتقليص نشاطات منظّمات المجتمع المدنيّ.
· ينصّ موقف منتدى المحاضرات والمحاضرين على أنّ كلّ تغيير من هذه التغييرات يمنح بحدّ ذاته قوّة فائضة بيد أغلبيّة الائتلاف الحكوميّ. هذه التغييرات المقترحة غير مُتّزنة بتاتًا رغم أنّه بالإمكان المبادرة لإصلاحات مُتّزنة في الجهاز القضائيّ. أمّا القضيّة الأخطر فهي أنّ دمج هذه التغييرات مع بعضها البعض سيؤدّي إلى تجميع قوّة شبه مطلقة بيد الحكومة، التي تسيطر في واقع الأمر اليوم على الكنيست، وسيكون بوسعها مستقبلًا السّيطرة على السّلطة القضائيّة أيضًا. هذا يعني مسًّا كبيرًا وصعبًا بمبادئ الديمقراطيّة الأساسيّة المُتمثّلة بفصل السّلطات، وحُكم القانون، وحماية حقوق الإنسان. بكلماتٍ أخرى، ستؤدّي هذه التعديلات التشريعيّة -في حالّ سنِّها- إلى إحداث تغيير جوهريّ في نظام الحكم القائم في إسرائيل اليوم.
· ثمّة شرط ضروريّ -مع أنّه غير كافٍ- لتبنّي التعديلات التشريعيّة التي تؤدّي إلى إحداث تغييرات جوهريّة في نظام الحكم، وهو إجراؤها عبر موافقة واسعة، وفي ضمن مسار سليم يشمل المداولات المُعمّقة وإشراك كافة الجهات السياسيّة والمهنيّة ذات الصّلة. نحن نرى أنّ المسارات التي يتّبعها الائتلاف الحكوميّ اليوم ليست كذلك. فالتعديلات التشريعيّة تمضي قُدمًا عبر مسارات مُعجَلة ومعطوبة وغير مسبوقة، تشذّ عن المسارات التشريعيّة المتعارف عليها، وهي تلتفّ على مسارات الاستشارة القضائيّة، وتسدّ الطريق أمام إجراء نقاش مهنيّ وجماهيريّ مُعمّق في كلّ واحد من التشريعات على حدة، وفي التّبعات والإسقاطات الناجمة عن مُجمل التعديلات كرزمة واحدة.
· تحاول جهات حكوميّة منح الشّرعيّة لهذه التعديلات التشريعيّة، وذلك عبر ادّعائها بأنّ هذه التعديلات لا تشذّ عن المُتّبع في دول ديمقراطيّة أخرى. هذا ادّعاء مغلوط. صحيح أنّ بعض التدابير القانونيّة التي تدفعها الحكومة الآن قائمة في دول ديمقراطيّة، لكن لا توجد دولة ديمقراطيّة واحدة في العالم تحوي كلّ هذه التدابير مجتمعة. يُضاف إلى ذلك أنّ غالبيّة الدول الديمقراطيّة تحوي أجهزة أخرى تُقيّد قوّة السّلطة التنفيذيّة، مثل وجود دستور شامل وقويّ، ووجود برلمانيْن، ومنظومة حكم رئاسيّة، ومبنى دولةٍ فدراليّ، وانتخابات إقليميّة، أو الخضوع لمحاكم دوليّة تحمي حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطيّة الأساسيّة. في حين نرى أنّ إسرائيل تفتقر لكلّ هذه الأجهزة الخاصّة بالتوازن والرّقابة. إنّ التبنّي الانتقائيّ لتدابير تُعزّز من قوّة الحكومة في دول أجنبيّة من دون تبنّي التدابير والأجهزة التي تُوازنها، سيخلق في إسرائيل هيكلًا قضائيًّا مُختلًا، وسيضعها في الخانة نفسها مع دول تعاني في السنوات الأخيرة تراجعًا ديمقراطيًّا خطيرًا، مثل تركيا وهنغاريا وبولندا.
· ختامًا، يهمّنا التشديد على أنّ التغييرات التي تدفعها الحكومة في أنظمة الحكم والقضاء في إسرائيل يمكن أن تكون مستديمة لا رجعة عنها. فمع إضعاف أجهزة ومنظومات التوازن والرّقابة، يُمكن لأغلبيّة الائتلاف الحكوميّ أن تبادر بسلاسة لخطوات أخرى تُحصّن سلطتها وسيطرتها لسنوات طويلة. بعض المخطّطات التي تظهر في الاتفاقات الائتلافيّة أو تصدر عن أعضاء في الائتلاف، تشهد على النوايا بتقليص حُريّة التعبير لدى جهات مُعارضة، وحذف مضامين من المناهج التعليميّة في المدارس تتطرّق إلى الديمقراطيّة وحقوق الإنسان، بل وتعديل المادة 7أ من قانون أساس: الكنيست بحيث تُمنع أحزاب موجودة اليوم في المعارضة من الترشّح في الانتخابات مستقبلًا. وكما تشير تجارب دول أخرى في العالم مرّت بتراجع ديمقراطيّ، فمن المتوقّع أن يكون تقييد قوّة المحاكم اليوم الخطوة الأولى في الطريق إلى إلغاء الديمقراطيّة على المدى البعيد.
يدعو منتدى محاضرات ومحاضري القانون الجهاتَ الحكوميّة والبرلمانيّة الرافضة للمشاركة في عمليّة هدم الديمقراطيّة، وكلَّ من يرى أنّ في مقدوره التأثير، الخروج علنًا وبقوّة ضدّ نيّة إجراء ثورة في نظام الحكم، ستمنح الحكومة قوّةً شبه مطلقة، وستمسّ بالمناعة المدنيّة والأخلاقيّة لدولة إسرائيل وبمكانتها الدوليّة.
* نحن، أعضاء منتدى محاضرات ومحاضري القانون من أجل الديمقراطية، نحمل وجهات نظر أكاديميّة مختلفة بما يخصّ تفاصيل التغييرات العديدة التي تطرحها الحكومة الإسرائيليّة الـ 37، بغية تغيير بُنية النظام الديمقراطي الإسرائيليّ. مع ذلك، فنحن مُتفقون في الرّأي على أنّ غالبيّة مقترحات الحكومة -وهي مقترحات تُشكّل اعتداءً جسيمًا على استقلاليّة الجهاز القضائيّ والمستشارة القضائيّة للحكومة والمستشارين القضائيّين الوزاريّين، والشرطة والجيش ومؤسّسة البثّ الجماهيريّ- ستُلحق ضررًا كبيرًا في سلطة القانون والطابع الديمقراطيّ لدولة إسرائيل. وعليه، انضممنا إلى هذا المنتدى لإتاحة تعميم آرائنا المهنيّة على الجمهور في هذه الأيّام المصيريّة. أوراق المواقف والموادّ المهنيّة الأخرى التي نُصدرها تُعبّر عن آراء الغالبيّة السّاحقة من أعضاء المنتدى، مع أنّها لم تصدر بالإجماع التامّ. يمكنكم/نّ الاطلاع على قائمة أعضاء المنتدى وكافّة الأوراق الصّادرة عنه عبر الرابط: https://lawprofsforum.wixsite.com/home. بالإمكان متابعة نشاطاتنا عبر حسابنا في تويتر:https://twitter.com/lawprofsforum . للاتصال بنا: lawprofessorsforum@gmail.com
Comments